اسمه ونسبه :

هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أُبيّ بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

قال الذهبي : " من ثور طابخة ،

وبعضهم قال : هو من ثور همدان ، وليس بشيء " السير (7/ 229 ــ 230)

ولد سنة سبع وتسعين ومات سنة إحدى وستين ومائة رحمه الله .

طلب العلم وهو حدث السن باعتناء والده ، المحدث الصادق : سعيد بن مسروق الثوري ، وكان والده من أصحاب الشافعي وخيثمة بن عبد الرحمن ، ومن ثقات الكوفيين ، وعداده في صغار الكوفيين ، روى له الجماعة الستة في دواوينهم ، وحدث عنه أولاده : سفيان الإمام وعمر ومبارك ، وشعبة بن الحجاج ، وزائدة، وأبو الأحوص ، وأبو عوانة ، ومات سنة ( 126هـ) السير (

شيوخه وتلاميذه :

اعتنى الإمامان الحافظان : أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي (ت 742 هـ) ، وأبو عبد الله الذهبي ( ت 748 هـ) باستقصاء ذكر شيوخ وتلاميذ الإمام أبي عبد الله الثوري ، وقد جاوزوا بهم مائتين وثمانين شيخا ، ومائة وثلاثين تلميذا .

قال الذهبي : " وقال : إن عدد شيوخه ستمائة شيخ ، وكبارهم الذين حدثوه عن أبي هريرة وجرير بن عبد الله ، وابن عباس وامثالهم "

ثم قال: " وأما الرواة عنه فخلقٌ ، ذكر أبو الفرج ابن الجوزي أنهم أكثر من عشرين ألفا ، وهذا مدفوع ممنوع ، فإن بلغوا ألفا فبالجهد ، وما علمت أحدا من الحفاظ روى عنه عددٌ أكثر من مالك ، وبلغوا بالمجاهيل وبالكذابين : ألفا وأربعمائة " السير (7/234)

ثم ذكر بعد ذلك فصلا بعنوان : مشايخ حدَّث عنهم الثوري وحدثوا هم عنه ، ناقلا ذلك عن أبي عبد الله الحاكم (ت 405 هـ)

وقد بلغوا أكثر من خمسة وعشرين شيخاً ــ السير (7/254) فيهم من هو من شيوخه :
كسليمان الأعمش ، وأبان بن تغلب ، ومحمد بن عجلان المدني وغيرهم ، وفيهم من هو من أقرانه :

كشعبة بن الحجاج ، وأبي عمرو الأوزاعي ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وغيرهم ، وفيهم من هو من تلاميذه :

كعبد الله بن المبارك ، وابن عيينة ، ووكيع بن الجراح ، وأبي إسحاق الفزاري وغيرهم .


وهذا الصنيع منه ومن هؤلاء الشيوخ هو تطبيق عملي لقولهم :

" لا يكون المحدث كاملا، والعالم عالما حتى يسمع ممن هو فوقه وممن هو مثله وممن هو دونه " روي هذا من قول سفيان بن عيينة ووكيع والإمام البخاري .

فرحمهم الله من أئمة الهدى يُقتدى بهم في التواضع والورع والحرص على أخذ العلم من أهله كبارا كانوا أم صغارا ، ورحمهم الله من أئمة هدى لم يعرف الكبر والعجب والغرور إلى أنفسهم سبيلا .

ما ذكر من علم سفيان الثوري وفقهه :

كل من ترجم للثوري ــ رحمه الله ــ أورد في ترجمته طائفة من أقوال الأئمة :

من أقرانه وتلاميذه وتلاميذهم وغيرهم ، في الثناء على علم سفيان وفقهه ، وأهم المصادر التي ترجمت لسفيان هي : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ــ في مقدمة الجرح ــ والحلية لأبي نعيم ، وتاريخ بغداد للخطيب ، وتاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء وكلاهما للحافظ الذهبي ، وغيرها .

وإليك أخي القاريء أهم تلك الأقوال :

قال سفيان بن عيينة : " ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري " الجرح والتعديل (1/55)

وقال عبد الله بن المبارك : " ما أعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان " الحلية (6/357) وتاريخ بغداد (9/156)

وعن عبد الرزاق الصنعاني (ت 211 هـ) قال: قال ابن عيينة : " أئمة الناس ثلاثة ــ بعد أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم ــ : ابن عباس في زمانه ، والشعبي في زمانه ، وسفيان في زمانه " تاريخ بغداد (9/154) ، والحلية (6/356)

وعن محمد بن المعتمر بن سليمان التيمي قال : قلت لأبي : من فقيه العرب ؟ قال : " سفيان الثوري " الجرح والتعديل (1/57)

وقال عبد الرحمن بن الحكم : " ما سمعت بعد التابعين بمثل سفيان " ( المصدر السابق )

وقال أبو طالب أحمد بن حميد: قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل : " دخل على مالك ــ يقصد الإمام مالك ــ الأوزاعي وسفيان الثوري ، فلما خرجا قال مالك : أحدهما أكثر علما من صاحبه ، والآخر أصلح للإمامة ، قلت لأبي عبد الله : فالذي عني مالك أنه أعلم الرجلين هو سفيان ؟ قال : نعم ، قال أبو عبد الله : أجل ، سفيان أوسعهما علما " ( المصدر السابق ) .

قال علي بن المديني : " لا أعلم سفيان صحَّف في شيء قط ، إلا في اسم امرأة أبي عبيدة ، كان يقول : حفينة والصواب : بِجِيمٍ " السير (7/240)

قال عبد الرزاق : قال ابن المبارك : " كنت أقعد إلى سفيان الثوري، فيحدث ، فأقول : ما بقي من علمه شيء إلا وقد سمعته ، ثم أقعد عنده مجلسا آخر ، فيحدث ، فأقول : ما سمعت من علمه شيئا ! " السير (7/248)

قال زائدة بن قدامة الثقفي (ت 160 هـ) : " كان سفيان أفقه الناس " الحلية (6/357) ، السير (7 / 247 ــ 254)

وعن أبي الأحوص قال : سمعت أحمد بن يونس يقول : " ما رأيت احدا أعلم من سفيان ، ولا أورع من سفيان ، ولا أفقه من سفيان ، ولا أزهد من سفيان " الحلية ( 6/359)

عن أبي أسامة حماد بن أسامة (ت 201 هـ) قال سفيان : " إنما العلم عندنا الرُّخص عن الثقة ، فأما التشديد فكل إنسان يُحسنه " الحلية (6/367) ، جامع بيان العلم وفضله (1/784)

وعن حفص بن غياث (ت 195 هـ) قال : سمعت سفيان يقول : " إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلف فيهن وأنت ترى غيره فلا تنهه " الحلية (6/368) ، والفقيه والمتفقه (2/69)

قال الخريبي : " ما رأيت أفقه من سفيان الثوري " السير (7/240)

عن عباس بن محمد الدوري قال : " رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان الثوري في زمانه أحدا في الفقه والحديث والزهد " تاريخ بغداد (9/169) ، والسير (7/237)

وعن محمد بن عبيد الطنافسي قال : " لا أذكر سفيان الثوري إلا وهو يُفتي ، أذكر منذ سبعين سنة ونحن في الكُتاب تمر بنا المرأة والرجل فيسترشدوننا إلى سفيان ليستفتوه فيفتيهم " الحلية (6/357)

قال يزيد بن زريع : " كان سفيان راويا ومفتيا " الجرح والتعديل (1/59)

وعن الوليد بن مسلم قال : " رأيت سفيان الثوري بمكة يُستفتى، ولما يخط وجهه بعد " الجرح والتعديل (1/56)

وعن حامد المروزي قال : سمعت ابن المبارك يقول : " كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان " تاريخ بغداد (9/156) سير أعلام النبلاء (7/237)

وعن عرفجة بن كلثوم قال : سمعت وكيع بن الجراح يقول : " ما رأيت عيناي مثل سفيان الثوري، ولا رأى سفيان مثله " تاريخ بغداد (9/156)

وعن سفيان بن عيينة قال : " كان سفيان الثوري كأن العلم بين عينيه يأخذ منه ما يريد ويدع ما لا يريد " تاريخ بغداد (9/162)

عن ضمرة بن ربيعة أن المثنى بن الصباح قال : "سفيان عالم الأمة وعابدها " السير (7/238)

وعن أبي داود الحفري ، قال ابن أبي ذئب : "ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري " السير (7/238)

وقال أبو قطن قال شعبة : " ساد سفيان الناس بالعلم والورع " السير (7/238)

قال يحيى بن أيوب العابد : حدثنا أبو المثنى قال : " سمعتهم - بمرو - يقولون : قد جاء الثوري ، قد جاء الثوري ، فخرجت أنظر إليه ، فإذا هو غلام قد بقل وجه - خرج شعره - "

قال الذهبي : " كان يُنوه بذكره في صغره من أجل فرط ذكائه وحفظه، وحَدَّث وهو شاب " السير (7/236)

وقال قطبة بن العلاء : قال الثوري : " أنا في هذا الحديث من ستين سنة "


هذا من غيض من فيض مما ذكر من علم سفيان وفقهه ، ولولا خشية الإطالة لنقلت كل ما ذُكر عن هذا الجبل ، وأختم هذه الفقرة بنصين من أجمع ما ذكر في علم سفيان وفقهه ومكانته في الأمة :

الأول : قال أبو بكر الخطيب البغدادي : " ... وكان إماما من أئمة المسلمين ، وعلما من أعلام الدين ، مجمع على إمامته ، بحيث يستغني عن تزكيته ، مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد " تاريخ بغداد (9/152)

والثاني : قال الحافظ الذهبي : " ... قد كان سفيان رأسا في الزهد والتأله ، والخوف ، رأسا في الحفظ ، رأسا في معرفة الآثار ، رأسا في الفقه ، لا يخاف في الله لومة لائم ، وكان يُنكر على الملوك ولا يرى الخروج عليهم أصلا " السير (7/241ـ 242)